للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكواكب والملائكة، ولا من عُباد الأنبياء والصالحين، ولا من عُباد التماثيل والقبور، وغيرهم؛ فإن جميع هؤلاء وإن كانوا كفارًا، مشركين، متنوعين في الشرك، فهم مقرون بالرب الحق الذي ليس له مثل في ذاته، وصفاته، وجميع أفعاله، ولكنهم مع هذا مشركون به في ألوهيته بأن يعبدوا معه آلهة أخرى يتخذونها شفعاء أو شركاء، أو في ربوبيته بأن يجعلوا غيره رب بعض الكائنات دونه، مع اعترافهم بأنه رب ذلك الرب، وخالق ذلك الخلق" (١).

ويقول ابن أبي العز الحنفي: "وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم:١٠] " (٢).

كما أن القاعدة دلَّت على أنه لم ينكر إفراد الله بالربوبية، واختصاصه بالخلق والملك والتدبير إلا من شذَّ من أهل الأرض.

ثم إن من أشهر من أنكر توحيد الله تعالى جملة وتفصيلًا في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته هو فرعون -عليه لعنة الله-.

يقول الإمام محمد الأمين الشنقيطي: "أما تجاهل فرعون لعنه الله لربوبيته جلَّ وعلا في قوله: {قَالَ فِرغَوْنُ وَمَا رَبُّ اَلْعلمِينَ (٢٣)} [الشعراء: ٢٣]، فإنه تجاهل عارف؛ لأنَّه عبد مربوب كما دل عليه قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: ١٠٢]، وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤] " (٣).


(١) مجموع الفتاوى (١١/ ٥١).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٧٧).
(٣) أضواء البيان (٢/ ١٥٥)، وانظر: (٣/ ١٨).