للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الإمام ابن أبي العز: "وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}، وقال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}، ولهذا لما قال: {وَمَا رَبُّ اَلعلَمِينَ (٢٣)} على وجه الإنكار له تجاهل العارف قال له موسى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)} [الشعراء: ٢٣ - ٢٨] " (١).

يقول الشيخ حافظ الحكمي: "توحيد الربوبية لم ينكره أحد إلا مكابرة؛ كفرعون، ونمرود، والثنوية الذين اعتقدوا للوجود خالقين اثنين تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا" (٢).

والمقصود هنا: أن من أنكر توحيد الربوبية إنما أنكره مكابرة وعنادًا، ومنهم من أسند الخلق إلى النور أو الظلمة أو غير ذلك، ولكنهم على اختلاف فرقهم لم يثبتوا صانعين للعالم متماثلين في الصفات والأفعال.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك أن المشركين من جميع الأمم لم يكن أحد منهم يقول إن للمخلوقات خالقين منفصلين متماثلين في الصفات، فإن هذا لم يقله طائفة معروفة من بني آدم، ولكن الثنوية (٣)


(١) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٧٧).
(٢) معارج القبول (٢/ ٤٠٢).
(٣) الثنوية: هم طائفة من المجوس الذين أثبتوا أصلين اثنين، مدبرين قديمين، الأول للخير وانفع، والثاني للشر والضر، ويسمون الأول: (النور)، والثاني: (الظلمة)، والنور عندهم هو إله الخير المحمود والظلمة هي الإله الشرير المذموم، ويزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس الأصليين القائلين بحدوث الظلام، =