للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَعبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥]، فإن قلت: فإنهم لا يؤمنون بيوم الدين، قلت: لكنهم لو قيل لهم إذا فرض أن يوم الدين حق فمن يكون مالكه لقالوا الله فتدبر هذا المعنى حق تدبّره ثم اقرأ القرآن تجده مملوء بالحجج على أن المشركين كانوا يعترفون بالله عَزَّ وَجَلَّ وصفاته، وإنما زاغوا في انفراده باستحقاق العبادة، والله أعلم" (١).

ثالثًا: أن الله تعالى أقرَّ المشركين على هذا الاعتراف بربوبيته، ولو كان باطلًا لأكذبهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما صدقهم دلَّ على صدق ما اعترفوا به:

يقول الإمام ابن حزم في شأن اعتراف المشركين بربوبية الله تعالى، وإقرار الله تبارك وتعالى لهم: "قال أبو محمد: ولم يكذبهم في ذلك أصلًا، بل حكى هذا القول عنهم كما حكى تعالى أيضًا قولهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥]، ولو أنكر عَزَّ وَجَلَّ قولهم ذلك لأكذبهم، فإذ لم يكذبهم فلقد صدقهم في ذلك والحمد لله رب العالمين" (٢).

رابعًا: دلَّ على ثبوت إقرار المشركين بتوحيد الربوبية دلالة الفطرة التي فطروا عليها، فإنهم فطروا على الإقرار بالله تبارك وتعالى، ولذلك كان من ضرورة كل نفس الإيمان بوجود الخالق؛ لأن تلك هي الفطرة التي لا يستطيع أحد من البشر إنكارها بقلبه وإن أنكرها بلسانه:

يقول الإمام ابن القيم في بيان كون إقرار المشركين بالربوبية من مقتضيات فطرتهم التي فطروا عليها: "ثم قال: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢]، وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيته إقرارًا تقوم عليهم به الحجة، وهذا إنما هو الإقرار الذي احتج به عليهم على ألسنة رسله كقوله تعالى: {قَالَت رُسُلُهُم أَفِى اللهِ شَكٌّ} [إبراهيم: ١٠]، وقوله: {وَلَئِن


(١) مخطوط العبادة (لوحة/٤٦٨ - ٤٦٩).
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسي (٣/ ٨٧).