للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللعين: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦)} [الحشر: ١٦]، وقال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: ٣٩]، وقال: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦)} [الحجر: ٣٦].

وكل مشرك مقر بأن الله خالقه وخالق السموات والأرض وربهن ورب ما فيهما ورازقهم، ولهذا تحتج عليهم الرسل بقولهم: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: ١٧]، وبقولهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: ٧٣]، والمشركون مقرون بذلك لا ينكرونه" (١).

ويقول الإمام ابن جرير الطبري عقب ذكره لتفسير مجاهد لقوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} [البقرة: ٢٢] وتقييده ذلك باليهود والنصارى: "وأحسب أن الذي دعا مجاهدًا إلى هذا التأويل، وإضافة ذلك إلى أنه خطاب لأهل التوراة والإنجيل دون غيرهم، الظن منه بالعرب أنها لم تكن تعلم أن الله خالقها ورازقها بجحودها وحدانية ربها، وإشراكها معه في العبادة غيره.

وإن ذلك لقول؛ ولكن الله جلَّ ثناؤه قد أخبر في كتابه عنها: أنها كانت تقر بوحدانيته، غير أنها كانت تشرك في عبادته ما كانت تشرك فيها، فقال جلَّ ثناؤه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧]، وقال: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣١)} [يونس: ٣١].

فالذي هو أولى بتأويل قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)}: إذ كان ما كان عند العرب من العلم بوحدانية الله، وأنه مبدع الخلق، وخالقهم، ورازقهم نظير الذي كان من ذلك عند أهل الكتابين، ولم يكن في الآية


(١) تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، بشرح الشيخ علي بن محمد آل سنان (ص ٨٥ - ٨٨).