للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دلالة على أن اللّه جلَّ ثناؤه عنى بقوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} أحد الحزبين بل مخرج الخطاب بذلك عام للناس كافة لهم" (١).

ويقول الرازي في تفسيره: "دلائل وجود الله تعالى ظاهرة، وهي دلائل الآفاق والأنفس، وقلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله تعالى؛ ولذلك قال تعالى في صفة الكفار: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥].

قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي -رحمه الله وختم له بالحسن-: دخلت بلاد الهند فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله، وأكثر بلاد الترك أيضًا كذلك، وإنما الشأن في عبادة الأوثان؛ فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض، وهكذا الأمر كان في الزمان القديم؛ أعني: زمان نوح وهود وصالح عليهم السلام فهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يمنعونهم من عبادة الأصنام، فكان قوله: {اعْبُدُواْ اَللَّهَ} [المائدة: ١١٧]؛ معناه: لا تعبدوا غير الله (٢)، والدليل عليه أنه قال عقيبه: {مَا لَكُم مِّن إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٥٩]، وذلك يدل على أن المقصود من هذا الكلام منعهم عن الاشتغال بعبادة الأصنام" (٣).

ويؤيد الإمام المقريزي هذه القاعدة بقوله: "ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم وخالق السموات والأرض والقائم بمصالح العالم كله، وإنما أنكروا توحيد الإلهية والمحبة، كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن


(١) تفسير الطبري (١/ ١٦٤).
(٢) سبق تقرير وبيان أن عبادة الله تعالى لا تتحقق إلا بترك الشرك وعبادة غيره، بل لا تسمى العبادة عبادة مع فعل الشرك. انظر: (ص ٣١٩) من هذه الرسالة.
(٣) تفسير الرازي (١٨/ ٩).