للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أ- قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣)} [الناس: ١ - ٣]، فهنا ذكر الرب والإله في سياق واحد مما يدل على أن لكل من (الرب) و (الإله) معنى يخصه وإلا كان تكرارًا مخرجًا للكلام عن حد البلاغة، مدخلًا له في حد الركاكة، وهذا مما يتنزّه عنه كلام الرب سبحانه وتعالى الذي هو في قمّة الفصاحة، وقوة البلاغة، وعظم الإعجاز، ولذا وصف سبحانه كتابه العزيز بقوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤٢].

ولذا اتفق أهل التفسير على التفريق بين الرب الخالق المدبر، وبين الإله المعبود إذا اجتمع ذكرهم في النصوص (١).

يقول ابن القيم: "فإن الإله: هو الذي تألهه القلوب محبة وإنابة وإجلالًا وإكرامًا وتعظيمًا وذلًا وخضوعًا وخوفًا ورجاءً وتوكلًا، والرب: هو الذي يربي عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالحه، فلا إله إلا هو، ولا رب إلا هو، فكما أن ربوبية ما سواه أبطل الباطل فكذلك إلهية ما سواه" (٢).

ويقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣ ضض)}: "هذه ثلاث صفات من صفات الرب عَزَّ وَجَلَّ الربوبية، والملك، والإلهية، فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له" (٣).

ب- قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} [الفاتحة: ٢]، فجمع في هذه الآية بين (الله) وبين (الرب) مما يدل على أن لكل واحد منهما معنى يخصه.


(١) انظر: تفسير الطبري (٣٠/ ٣٥٤)، وتفسير الرازي (٢٦/ ١١)، وتفسير أبي السعود (٩/ ٢١٦)، وأضواء البيان (٩/ ١٨٨)، وتفسير آيات من القرآن الكريم (ص ٣٨٧).
(٢) إغاثة اللهفان (١/ ٢٧)، وانظر: طريق الهجرتين (ص ٩٧).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٧٥).