للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي اطرح عنك هذا الوثن"، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه" (١).

فسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الطاعة في التحليل والتحريم عبادة وأنها من اتخاذ الأرباب، فدل على أن معنى الأرباب في الآية هم المعبودون بسبب الطاعة واتباعهم في التحليل والتحريم.

يقول الإمام الطبري: " {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}: يعني: سادة لهم من دون الله، يطيعونهم في معاصي الله، فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم، ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم" (٢).

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "فإن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- لما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: كيف اتخذوهم أربابًا؟ قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم" وذلك هو معنى اتخاذهم إياهم أربابًا" (٣).

٣ - ومن ذلك حديث سؤال الملكين في القبر (من ربك وما دينك ومن نبيك) (٤)، والمراد بالرب في الحديث: من إلهك ومن معبودك؛ فإن الربوبية لم ينكرها أحد من المشركين كما مرَّ تقرير ذلك من قبل.


(١) أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب: تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب: ومن سورة التوبة (٥/ ٢٧٨)، برقم (٣٠٩٥)، وأخرجه الطبري في التفسير (١٠/ ١١٤)، وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٧/ ٨٦١)، برقم (٣٢٩٣).
(٢) تفسير الطبري (١٠/ ١١٤).
(٣) أضواء البيان (١/ ٣٠٧).
(٤) أخرجه أبو داود في سننه (٤/ ٢٣٩)، برقم (٤٧٥٣)، والترمذي في جامعه: (٥/ ٢٩٥)، برقم (٣١٢٠)، وقال عقبه: "هذا حديث حسن صحيح"، وهو من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه-.