للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسير الآية: "يمتنع ويستحيل كل الاستحالة لبَشَرٍ مَنَّ الله عليه بالوحي، والكتاب والنبوة، وأعطاه الحكم الشرعي، أن يأمر الناس بعبادته، وبعبادة النبيين والملائكة، واتخاذهم أربابًا؛ لأن هذا هو الكفر، فكيف وقد بعث بالإسلام المنافي للكفر من كل وجه، فكيف يأمر بضده، هذا هو الممتنعح لأن حاله وما هو عليه، وما منَّ الله به عليه من الفضائل والخصائص تقتضي العبودية الكاملة، والخضوع التام لله الواحد القهار" (١).

وبهذا يتبين لنا أن المقصود من الأرباب في الآية هم الآلهة المعبودة من دون الله تعالى.

٢ - ومن ذلك قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١].

ذكرت الأرباب في هذه الآية والمقصود بها الآلهة المعبودة؛ فإنهم لم يعتقدوا الأحبار والرهبان أربابًا خالقين ومدبرين، بل ما حصل منهم من الكفر هو عبادتهم، وهذه العبادة هي طاعتهم ومتابعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، ولذا قال سبحانه في آخر الآية مؤكدًا أن هذا الاتخاذ للأرباب هو عبادة الأحبار والرهبان: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١]، كما بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الطاعة في التحليل والتحريم بأنها عبادة لهم في حديث عدي بن حاتم الآتي، وعليه يكون معنى الأرباب؛ أي: المعبودون بمتابعتهم في التحليل والتحريم.

وتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للأرباب جاء في حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-


(١) تفسير الشيخ السعدي (ص ١٣٦).