للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلب وانقياده وخضوعه لا ينفك عنه أبدًا في حال صحة الإسلام وسلامة عقد الإيمان.

يقول الإمام ابن تيمية: "إِذَا تَحَقَّقَ الْقَلْبُ بِالتَّصْدِيقِ، وَالْمَحَبَّةِ التَّامَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْإرَادَةِ لَزِمَ وُجُودُ الْأَفْعالِ الظَّاهِرَةِ؛ فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْمُرَادِ قَطْعًا، وَإِنَّما يَنْتَفِي وُجُودُ الْفِعْلِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ الْإِرَادَةِ، وإلَّا فَمَعَ كَمَالِهَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ الِاخْتِيارِيِّ، فَإِذَا أَقَرَّ الْقَلْبُ إِقْرارًا تَامًّا بِأَنَّ مَحَمَّدًا رَسُولُ اللّهِ، وَأَحَبَّهُ مَحَبَّةً تَامَّةً امْتَنَع مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ عَاجزًا لِخَرَسِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِخَوْفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِهِمَا" (١).

ويقول رحمه الله أيضًا: "وَإِلَّا فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصلَ لَهُ الْإِقْرارُ وَالحُبُّ وَالِانْقِيَادُ بَاطِنًا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الظَاهِرِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِدُونِ وُجُودِ الْمُرَادِ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَنْ آمَنَ قَلْبُهُ إيمَانًا جَازِمًا امْتَنَعَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَعَدَمُ الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ مُسْتَلْزَمٌ انْتِفَاءَ الْإِيمَانِ الْقَلْبِيِّ التَّامِّ" (٢).

ويقول الشيخ مرعي الكرمي (٣): "فمن أراد النطق بالشهادتين مثلًا


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٧٢).
(٢) مجموع الفتاوى (٧/ ٥٥٣).
(٣) هو: الشيخ مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي ثم المقدسي الحنبلي، وُلِدَ في طور كرم بفلسطين، وانتقل إلى القدس، ثم إلى القاهرة، واستقر بها إلى أن توفي، وكان إمامًا محدِّثًا فقيهًا، ذا اطلاع واسع على نقول الفقه، ودقائق الحديث، ومعرفة تامة بالعلوم المتداولة، وكان ينظم الشعر، وله ديوان جيد، وله مصنفات قيمة، فاقت السبعين مصنفًا، منها: غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى في فقه الحنابلة، ودليل الطالب، والكلمات السنيات، ومسبوك الذهب في فضل العرب، ورياض الأزهار في حكم السماع والأوتار، وغيرها كثير، توفي سنة ١٠٣٣ هـ. =