للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن تحقيقهما العبد في الآخرة، وعليه يُصَنَّفُ العِبَادُ إلى سعداء وأشقياء؛ فمن أتى بهما ووفى بحقوقهما كان من الناجين السعداء، ومن عارضهما وناقضهما كان من أهل النار الهالكين، والقاعدة دلت على أنهما أصل الإسلام وقاعدته التي عليها مدار الأعمال.

وهذا باب واسع؛ فإن الناس مضطرون إلى هذين الأصلين، فلا ينجون من العذاب، ولا يسعدون إلا بهما، فعليهم أن يؤمنوا بالأنبياء وما جاؤوا به، وأصل ما جاؤوا به: أن لا يعبدوا إلا اللّه وحده كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥] (١).

يقول الإمام ابن تيمية: "والذين يحجون إلى القبور، ويدعون الموتى من الأنبياء وغيرهم عصوا الرسول، وأشركوا بالرب، ففاتهم ما أمروا به من تحقيق التوحيد، والإيمان بالرسول، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللّه، وجميع الخلق يأتون يوم القيامة فيسألون عن هذين الأصلين: ماذا كنتم تعبدون، وبما أجبتم المرسلين، كما بسط هذا في موضعه" (٢).

ويقول رَحمه الله: "قال أبو العالية (٣) في قوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)} [الحجر: ٩٢، ٩٣]، قال: (خلتان يسأل عنهما كل أحد؛ ماذا كنت تعبد؟ وماذا أجبن المرسلين؟)؛ فالأولى: تحقيق شهادة أن لا إله إلا اللّه، والثانية: تحقيق الشهادة بأن محمدًا رسول اللّه" (٤).


(١) انظر: المصدر نفسه (٢٧/ ٢٧٩).
(٢) الرد على الأخنائي (ص ١١٧).
(٣) هو: رفيع بن مهران البصري أبو العالية الرياحي، الفقيه المقرئ، مولى امرأة من بني رياح بطن من تميم، من جلة التابعين وثقاتهم، رأى أبا بكر وقرأ القرآن على أبي، وسمع من عمر وابن مسعود وعلي وعائشة -رضي الله عنهم-، توفي سنة ٩٣ هـ. [ترجمته في: تذكرة الحفاظ (١/ ٦١)، وميزان الاعتدال في نقد الرجال (٧/ ٣٨٨)].
(٤) مجموع الفتاوى (١٩/ ١٧٢)، وانظر: الرد على الأخنائي (ص ٢٠٢)، وأثر أبي =