للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإثبات، فينفي عبادة ما سوى الله ويثبت عبادته، وهذا هو حقيقة التوحيد، والنفي المحض ليس بتوحيد، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمنًا للنفي والإثبات، وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) فلم جاءت هذه السورة بالنفي المحض وما سر ذلك" (١).

بل لا يمكن تحقيق الإثبات الكامل العاري عن كل نقص بدون اعتقاد النفي، ولذا قُدّم النفي على الإثبات، فينفي النقص والباطل أولًا ثم يثبت بعد ذلك الكمال.

يقول أبو المظفر الإسفرايني (٢): "وأمر سبحانه الكافة بكلمة الإيمان (لا إله إلا اللّه)، جمع فيها بين النفي والإثبات، وقدم النفي على الإثبات ليعلم أن الإثبات لا يحصل إلا بصيانته عن كل ما يتضمن مخالفته، وهكذا جمع في سورة الإخلاص بين النفي والإثبات، فوصف نفسه بأوصاف الكمال في قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢)} [الإخلاص: ١، ٢]، ونفى عن نفسه النقصان بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} [الإخلاص: ٣، ٤]، ... وتقرَّر بهذه الجملة وجوب المعرفة بالنفي والإثبات، والتمييز بين الحق والباطل، ومن لم يتحقق له معرفة نفي صفة الباطل لم يتحقق له معرفة إثبات صفة المعرفة بالحق، وقد كان أصحاب رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يسألونه عن الحق لصحة الاعتقاد والمعرفة، وعن الباطل والشر للتمكن من المجانبة" (٣).


(١) بدائع الفوائد (١/ ١٤١).
(٢) هو: شهفور بن طاهر بن محمد الإسفرايني، أبو المظفر، ثم الطوسي، الشافعي، العلامة الفقيه الأصولي المفسر، صاحب التفسير الكبير، كان أحد الأعلام، وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي، من كتبه: "التبصير في الدين"، توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. [ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى (٥/ ١١)، وسير أعلام النبلاء (١٨/ ٤٠١)].
(٣) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية (ص ١٤).