للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: جاءت كلمة التوحيد (لا إله إلا اللّه) بما تضمنته من نفي وإثبات على صورة الخبر، والمقصود بذلك الأمر والنهي؛ النهي عن عبادة غيره سبحانه وتعالى، وإفراده عز وجل بالعبادة والخضوع والتعظيم، فهي أمر ونهي لكن بصيغة الإخبار.

يقول الإمام ابن تيمية: "وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي دَلَالَةِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَدْ أَخْبَرَ وَبَيَّنَ وأَعْلَمَ أَنَّ مَا سَوَاهُ لَيْسَ بِإِلَهِ فَلَا يُعْبَدُ، وَأَنَّهُ وَحْدَهُ الْإِلَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِعِبَادَتِهِ، وَالنَّهْيَ عَنْ عِبَادَةِ مَا سَواهُ؛ فَإِنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ فِي مِثْلِ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، كَمَا إِذَا اسْتَفْتَى شَخْصٌ شَخْصًا فَقَال لَهُ قَائِلٌ: هَذَا لَيْسَ بِمُفْتٍ هَذَا هُوَ الْمُفْتِي فَفِيهِ نَهْيٌ عَنْ اسْتِفْتَاءِ الْأَوَّلِ، وأَمْرٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى اسْتِفْتَاءِ الثَّانِي.

وَكَذَلِكَ إِذَا تَحَاكَمَ إِلَى غَيْرِ حَاكِمٍ، أَوْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ وَليِّ الْأَمْرِ فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا حَاكِمًا وَلَا هَذَا سُلْطَانًا؛ هَذَا هُوَ الْحَاكِمُ، وَهَذَا هُوَ السّلْطَانُ، فَهَذَا النَّفْيُ وَالْإِثْباتُ يَتَضَمَنُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّالِبَ إِنَّمَا يَطْلُبُ مَنْ عِنْدَهُ مُرادُهُ وَمَقْصُودُهُ، فَإِذَا ظَنَّهُ شَخْصًا فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ مُرَادُك عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا مُرَادُكَ عِنْدَ هَذَا كَانَ أَمْرًا لَهُ بِطَلَبِ مُرَادِهِ عِنْدَ هَذَا دُونَ ذَاكَ. وَالْعَابِدُونَ إنَّمَا مَقْصُودُهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا مَنْ هُوَ إِله يَسْتَحِق الْعِبَادَةَ؛ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ كُلُّ مَا سَوَى اللّهِ لَيْسَ بِإِلَهِ، إِنَّمَا الْإِلَهُ هُوَ اللّهُ وَحْدَهُ كَانَ هَذَا نَهْيًا لَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سَوَاهُ وأَمْرًا بِعِبَادَتِهِ" (١).

ويقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى اللّه ليس بإله، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل، وإثباتها أظلم


(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ١٧١ - ١٧٢).