للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: ركنية الكفر بالطاغوت وشرطيته في صحة الإيمان، وقيام الإسلام منشؤه من التلازم الكلي التام -الذي لا ينفك أبدًا- بينه وبين الإيمان الشرعي الصحيح بالله تعالى، وبين بغض الطاغوت وعداوته، وبين محبة الرب سبحانه وتعالى، ولذا لا يوجد إيمان صحيح في القلب بالله تعالى بدون الكفر بالطاغوت، ولا محبة شرعية مقبولة عند الله تعالى بدون بغض وعداوة للطاغوت.

يقول أبو حيان: "لأن الكفر بها هو رفضها ورفض عبادتها ولم يكتف بالجملة الأولى؛ لأنها لا تستلزم الجملة الثانية إذ قد يرفض عبادتها ولا يؤمن بالله لكن الإيمان يستلزم الكفر بالطاغوت" (١).

يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: في جواب سؤال عمن كان في سلطان المشركين، وعرف التوحيد وعمل به، ولكن ما عاداهم، ولا فارق أوطانهم؟ فأجاب رحمه الله بقوله: "هذا السؤال صدر عن عدم التعقل لصورة الأمر، والمعنى المقصود من التوحيد والعمل به؛ لأنه لا يتصور أنه يعرف التوحيد ويعمل به، ولا يعادي المشركين؛ ومن لم يعادهم لا يقال له: عرف التوحيد وعمل به. والسؤال متناقض -وحسن السؤال مفتاح العلم-.

وأظن مقصودك: من لم يظهر العداوة، ولم يفارق؛ ومسألة إظهار العداوة غير مسألة وجود العداوة، فالأول: يعذر به مع الخوف والعجز، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨]، والثاني: لا بد منه؛ لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حبِّ الله ورسوله تلازم كُليِّ لا ينفك عن المؤمن" (٢).

ثالثًا: سبقت الإشارة إلى أن تحقيق الكفر بالطاغوت يكون بالقلب


(١) تفسير البحر المحيط (٢/ ٢٩٢).
(٢) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (٨/ ٣٥٨ - ٣٥٩).