واللسان والجوارح، ولكن لا يلزم من تحقيق الكفر به إزالته عن الوجود، وإن كانت إزالته من أعظم القربات، وأجل الطاعات، وهو أمر مطلوب شرعًا؛ لما في وجوده من الشر المستطير، والفتنة العظيمة، ولكن ذلك حسب الاستطاعة والقدرة، ومراعاة المصالح والمفاسد التي يقدرها أهل العلم والأمانة، الراسخين في الفهم والديانة.
ولا أدل على هذا من وجود ثلاثِ مائة وستون صنمًا حول الكعبة، في أيام الجاهلية تعبدها قريش والعرب من دون الله تعالى، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى إفراد الله بالعبادة، ونبذ هذه الطواغيت، وترك عبادتها، والكفر بها، والبراءة منها، بل سفهها لهم، وبين لهم فقرها وضعفها، ومع ذلك فإنه عليه السلام لم يتعرض لهدمها أو تكسيرها وإزالتها في أول الدعوة؛ لعدم قدرته على ذلك مع تحقيقه -صلى الله عليه وسلم- هو وأصحابه للكفر بهذه الطواغيت بالقلب واللسان أعظم تحقيق، وبعدما مكنه الله تعالى من قريش فظفر بهم، وفتحت مكة على يديه، كانت إزالة هذه الطواغيت هي أولى مهامه التي قام بها في مكة، فلم يترك فيها صنمًا واحدًا إلا كسره وأباده، بل أرسل بعض أصحابه إلى هدم ما بَعُدَ منها عن مكة؛ كاللات والعزى وغيرها من الأوثان.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "إن الله تعالى لما أرسل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا تعبدها قريش، وكانوا يعبدون اللات، والعزى، ومناة، وهي أكبر الطواغيت التي يعبدها أهل مكة والطائف ومن حولهم، فاستجاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- من استجاب من السابقين الأولين، وهاجر من هاجر منهم إلى الحبشة، وكل من آمن منهم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، رغبة عن الشرك وعبادة الأوثان، وكفرًا بها، وبراءة منها، ومسبة لها، فصح إسلامهم وإيمانهم بذلك مع كونها موجودة يعبدها من يعبدها ممن لم يرغب عنها وعن عبادتها.