للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبهذا يتبين أنه ليس المراد من نفي الأوثان والأصنام وغيرها في كلمة الإخلاص زوال ماهية الأصنام ونفي وجودها، وإنما المراد إنكار عبادتها، والكفر بها، وعداوتها كما تقدم بيانه، وكل من تبرأ منها ورغب عنها فقد نفاها بقول لا إله إلا الله، وأثبت الألوهية لله تعالى دون كل ما يعبد من دونه، فلما تمكن -صلى الله عليه وسلم- من إزالة هذه الأصنام كسرها وبعث من يزيل ما بعد عنه منها فخلت الجزيرة من أعيانها، وهذا معنى قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٣] " (١).

رابعًا: أن من لوازم الكفر بالطاغوت الكفر بأهله وأنصاره، وبغضهم وعدم موادتهم، والبراءة منهم ومن أعمالهم، وجهادهم باللسان والسنان في ذات الله تعالى، نصرة للتوحيد، ولتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.

والحاصل أنه يلزم الكفر بالفعل والفاعل، والعمل والعامل، والشرك والمشرك؛ وهذا أمر بين. قال سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: ٤]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦)} [الزخرف: ٢٦]،، وقال عز وجل: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)} [التوبة: ٣].

وهكذا أعلنها إبراهيم عليه السلام لقومه مصرحًا لهم بكفره بهم وبما


(١) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (١١/ ٢٧٠)، ومجموعة الرسائل والمسائل (٤/ ٣٤٣ - ٣٤٤).