للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرعية، والحكم المرعية، ولكن قد يدخل ما هو محبوب لله في هذه المحبة فتكون محمودة، وقد يلابسها ما هو مبغوض لله فتكون مذمومة، كل ذلك بحسب نية صاحبها وقصده، وبحسب ما تؤول إليه هذه المودة والمحبة؛ فإن كانت نتائجها وما تؤدي إليه مما يحبه الله ويرضى عنه كانت محمودة، وأثيب عليها صاحبها، وإن أدت إلى محرم لا يرضاه الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- كانت مذمومة، واستحق صاحبها العقاب، فإن لم تؤد إلى هذا ولا ذاك، كانت في حيّز المباح، وتحت حكم الجواز، فلم يتعلق بها مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب، وبعض أهل العلم يعبّر عنها بالمحبة المشتركة؛ أي: يشترك فيها جميع الخلق، فجعلها في مقابل المحبة الخاصة بالله تبارك وتعالى، وهي على أنواع كما سيأتي بيانها.

يقول الإمام ابن تيمية: "والله تعالى خلق في النفوس حب الغذاء، وحب النساء، لما في ذلك من حفظ الأبدان، وبقاء الإنسان؛ فإنه لولا حب الغذاء لما أكل الناس ففسدت أبدانهم، ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل، والمقصود بوجود ذلك بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده، ويكون هو المحبوب المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "وبقي قسم خامس ليس مما نحن فيه وهي: المحبة الطبيعية: وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه؛ كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم، والزوجة، والولد، فتلك لا تذم مالًا (٢)، إن ألهت عن ذكر الله، وشغلته عن محبته كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: ٩]، وقال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: ٣٧] " (٣).


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٦٠٧).
(٢) صواب العبارة: (إلا إن ألهت).
(٣) الجواب الكافي (ص ١٣٤).