للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا عمر"" (١).

فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويعرض للعقوبة فقد صدق، وإنه أراد أن المنفي الكمال المستحب، فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، قاله شيخ الإسلام رحمه الله (٢).

وكما سبق فإن المقصود بالمحبة في الحديث هي المحبة الشرعية الدينية الاختيارية لا المحبة الطبيعية، ولذا نقل الإمام النووي في شرح الحديث عن بعض أهل العلم أنه قال: "لم يرد به حب الطبع بل أراد به حب الاختيار؛ لأن حب الإنسان نفسه طبع، ولا سبيل إلى قلبه، قال فمعناه: لا تصدق في حبي حتى تُفْنِي في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هلاكك" (٣).

ويقول الإمام ابن الجوزي في إيضاح معنى الحديث: "اعلم أن المراد بهذه المحبة: المحبة الشرعية فإنه يجب على المسلمين أن يقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنفسهم وأولادهم، وليس المراد بهذا المحبة الطبيعية فإنهم قد فروا عنه في القتال وتركوه، وكل ذلك لإيثار حب النفس" (٤).

وقال رحمه الله أيضًا: "ففي الأول أن عمر قال يا رسول الله: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك": إن قال قائل: كيف كلفه بما لا يدخل تحت طوقه فإن المحبة في الجملة ليست إلى الإنسان، ثم إن حبه لنفسه أشد من حبه لغيرها ولا يمكنه تغيير ذلك، فالجواب: إنه إنما كلفه


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب: كانت يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- (٦/ ٢٤٤٥)، برقم (٦٢٥٧).
(٢) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص ٢٧٤).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ١٥)، وانظر: طرح التثريب في شرح التقريب (٦/ ١٩٥).
(٤) كشف المشكل (٣/ ٢٣١).