للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأموال والمساكن، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة، وإنما تتم المحبة بالطاعة كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، فعلامة تقديم محبة الرسول على محبة كل مخلوق: أنه إذا تعارض طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أوامره وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة، فإن قدَّم المرء طاعة الرسول وامتثال أوامره على ذلك الداعي: كان دليلًا على صحة محبته للرسول وتقديمها على كل شيء، وإن قدَّم على طاعته وامتثال أوامره شيئًا من هذه الأشياء المحبوبة طبعًا: دلَّ ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التام الواجب عليه.

وكذلك القول في تعارض محبة الله ومحبة داعي الهوى والنفس، فإن محبة الرسول تبع لمحبة مرسله عز وجل.

هذا كله في امتثال الواجبات وترك المحرمات، فإن تعارض داعي النفس ومندوبات الشريعة، فإن بلغت المحبة على تقديم المندوبات على دواعي النفس كان ذلك علامة كمال الإيمان، وبلوغه إلى درجة المقربين والمحبوبين، المتقربين بالنوافل بعد الفرائض، وإن لم تبلغ هذه المحبة إلى الدرجة فهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين كملت محبتهم ولم يزيدوا عليها" (١).

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "قوله: (لا يؤمن أحدكم): أي: الإيمان الواجب، والمراد كماله، حتى يكون الرسول أحب إلى العبد من ولده ووالده والناس أجمعين، بل ولا يحصل هذا الكمال إلا بأن يكون الرسول أحب إليه من نفسه، كما في الحديث: "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي، فقال: الآن


(١) انظر: فتح الباري لابن رجب، كتاب الإيمان (١/ ٤٨ - ٤٩).