للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧)} [الحجرات: ٧].

واعلم أن القدر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو أن ينفر من ذلك ويتباعد منه جهده، ويعزم على أن لا يلابس شيئًا منه جهده لعلمه بسخط الله له وغضبه على أهله، فأما ميل الطبع إلى ما يميل من ذلك -خصوصًا لمن اعتاده ثم تاب منه- فلا يؤاخذ به إذا لم يقدر على إزالته، ولهذا مدح الله من نهى النفس عن الهوى، وذلك يدل على أن الهوى يميل إلى ما هو ممنوع منه، وأن من عصى هواه كان محمودًا عند الله عز وجل" (١).

سابعًا: قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (٢).

فهذا الحديث نفى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إطلاق الإيمان عمن أحب غيره أكثر من محبته عليه السلام، والمقصود كمال الإيمان لا أصل الإيمان؛ لأنه باق ما بقي أصل الحب في القلب، كما أن المقصود بالمحبة هي المحبة الشرعية الدينية لا المحبة الطبيعية، وهي محبة تابعة لمحبة الرب تعالى إذ هي الأصل لجميع المحاب، والحديث دلَّ على وجوب محبته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإيمان الواجب لا ينفى إلا لانتفاء واجب أو فعل محرم.

يقول الإمام ابن رجب: "محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدَّم عليها شيئًا من الأمور المحبوبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فيجب تقديم محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين


(١) انظر: فتح الباري لابن رجب، كتاب الإيمان (١/ ٥٠ - ٥٨).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، (١/ ١٤)، برقم (١٥)، ومسلم في صحيحه، باب: وجوب محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة، (١/ ٦٧)، برقم (٤٤) من حديث أنس -رضي الله عنه-.