للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سَلِمَ من مرض الأهواء المضلة، والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذٍ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي.

ومن هنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (١)؛ لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي.

الخصلة الثانية: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، والحب في الله من أصول الإيمان وأعلى درجاته، وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها؛ لأن من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فقد صار حبه كله له، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله وموالاته له ومعاداته له، وأن لا تبقى له بقية من نفسه وهواه، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وكذلك من الأشخاص، ويلزم من ذلك معاملتهم بمقتضى الحب والبغض، فلا تتم محبة الله ورسوله إلا بمحبة أوليائه وموالاتهم وبغض أعدائه ومعاداتهم.

الخصلة الثالثة: أن يكره الرجوع إلى الكفر كما يكره الرجوع إلى النار؛ فإن علامة محبة الله ورسوله: محبة ما يحبه الله ورسوله، وكراهة ما يكرهه الله ورسوله -كما سبق-، فإذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به ووجد حلاوته وطعمه: أحبه وأحب ثباته ودوامه والزيادة منه، وكره مفارقته وكان كراهته لمفارقته أعظم عنده من كراهة الإلقاء في النار، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب: النهبى بغير إذن صاحبه وقال عبادة: بايعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا ننتهب (٢/ ٨٧٥)، برقم (٢٣٤٣)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله (١/ ٧٦)، برقم (٥٧)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.