نفسه تبارك وتعالى، ويحب عباده المؤمنين، ويحب جميع ما أمر به عباده المخلصين، كما أن أهل الإيمان يحبونه -سبحانه وتعالى-، فالقاعدة أثبتت المحبة في قلوب المؤمنين لربهم -عز وجل-، وأنها أصل جميع الأعمال الإيمانية، وفي ذلك إبطال لأقوال أهل البدعة والفرقة الذين تجرؤوا على الله تعالى، وتجاسروا على نصوص الشريعة فأنكروا حقيقة المحبة وأوَّلوها بتأويلات باطلة خالفوا بها نصوص القرآن الصريحة والسُّنَّة النبوية الشريفة (١).
يقول الإمام ابن تيمية في بيان أقوال الطوائف في مسألة المحبة: "وقد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام في محبة الله، وذكرنا أن للناس في هذا الأصل العظيم ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الله تعالى يُحِب ويُحَب كما قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: ٥٤] فهو المستحق أن يكون له كمال المحبة دون ما سواه، وهو سبحانه يُحِب ما أمر به ويُحِب عباده المؤمنين، وهذا قول سلف الأمة وأئمتها، وهذا قول أئمة شيوخ المعرفة.
والقول الثاني: أنه يستحق أن يُحَب لكنه لا يُحِب إلا بمعنى أن
(١) وأول من أظهر ذلك في الإسلام في أوائل المائة الثانية فأنكر المحبة الحقيقية لله تعالى هو الجعد بن درهم شيخ الجهم بن صفوان، فضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط على عهد علماء التابعين وغيرهم من علماء المسلمين مثل الحسن البصري وغيره الذين حمدوه على ما فعل وشكروا له ذلك فقال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا -تعالى الله عما يقول الجعد علوًا كبيرًا- ثم نزل فذبحه، وأخذ هذه المقالة عنه جهم ابن صفوان وقتله بخراسان سلمة بن أحوز، وإليه نسبت هذه المقالة التي تسمى مقالة الجهمية. [انظر: مجموع الفتاوى (٢/ ٣٥٤)، (١٠/ ٦٦)، (١٢/ ٣٥٠)، (١٢/ ٥٠٣)]، يقول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي: "فكان أول من أظهره في آخر الزمان الجعد بن درهم بالبصرة وجهم بخراسان فقتلهما الله بشر قتلة، وفطن الناس لكفرهما، حتى كان سبيل من أظهر ذلك في الإسلام القتل صبرًا حتى كانوا يسمونهم بذلك الزنادقة". [نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد (١/ ٥٣٠ - ٥٣١)].