واتفقت كلمة جميع المرسلين عليهم الصلاة والتسليم على الدعوة إليه ونصرته والجهاد في سبيله، كما في قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، وقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦]، وقوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)} [الزخرف: ٤٥]. فأمرُ توحيده تعالى إذًا: الدلالة على أمره ونهيه، ومعرفة وعده ووعيده، وإقامة دينه وشرعه، لذا وُضعت من أجله الدواوين، ونُصِبت بشأنه الموازين، وكان الثواب والعقاب، والجزاء والحساب، وافتراق العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير.
ولما كان "من المِحَال أن تَسْتَقِلّ العقول البشرية بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل اقتضت حكمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به مُعَرِّفِين وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها، وأن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود"(١).
ثلَاث عشرةَ سَنَةً في مكة والنَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يدعو إليه، ويغرس جذوره في أعماق النفوس، ويبني أُسُسَهُ ودعائمه في سويداء القلوب، ويثبت أَركانه في الوجدان؛ حتى اتضحت سبيله للسالكين، وبانت معالمه للراغبين، فأَظهر الله الحق وأَزهق الباطل، وأَضاءت القلوبَ أَنوارُ التوحيد الخالص، فَجلتْه من أَوضار الشرك، وصقلته من أَدران التنديد.
(١) مقدمة الصواعق المرسلة للإمام ابن القيم -رحمه الله-: (١/ ٥).