بقيت العقيدة على صفائها ونقائها وطهرها؛ حتى إذا قضى الله أمرًا كان مفعولًا، ودخل في دين الله من لم يتشرَّب قلبه التوحيد الخالص، حدث في النَّاس الخلل، وتفرَّقت بهم السُّبل، وراجت المذاهب المنحرفة، والأفكار الهدَّامة، وأَطلَّت الفتن برأسها، وفشت البدع ببؤسها، حتى إذا زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا، قيَّض الله من أَئمَّة الهدى، ومصابيح الدجى من يعيد النَّاس إلى مشكاة النبوة وقلعة الإيمان، ويكشف لهم زيوف الباطل، ويدحض شُبَه المبطلين، ويردَّهم إلى منهج السَّلف الصَّالح.
إنَّ المتبصِّر في تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة؛ ليرى أن عزَّتها وعلوَّها وغلبتها ودينونة الأُمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأَثر النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وسيرها على منهج السَّلف الصَّالح، واجتماعها على أَئمَّتها، وعدم منازعتهم في ذلك، وأَنَّ ذلها وضعفها وانخذالها، وتسلط الأُمم عليها مرتبط بانتشار البدع والمحدثات في الدِّين، واتخاذ الأَنداد والشركاء مع الله، وظهور الفِرَق الضالَّة، ونزع يد الطاعة، والخروج على الأَئمَّة.
إنَّ الانحرافات العقدية، والحيدة عن منهج السَّلف الصَّالح، والانخداع بزخرف قول أرباب المذاهب المنحرفة هو الذي فرق الأُمَّة، وأَضعف قوتها، وكسر شوكتها، والواقع شاهد على ذلك، ولا مخرج لها من ذلك إلَّا بالرجوع إلى ما كان عليه النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأئمَّة الهدى، فلن يصلح آخر هذه الأُمَّة إلَّا بما صلح به أَولها.
ومن هنا تأتي أهمية العناية بهذا الأمر، وتربية الناشئة عليه وتصحيح المسار إليه حتى لا تتشعب بها السُبل فتضل في متاهات الأهواء والفتن. وقد وفق الله عددًا من مشايخنا وعلمائنا ونفرًا من طلبة العلم المخلصين إلى الاهتمام بهذا الموضوع العظيم، تقريرًا واستدلالًا،