للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعظمته، بل خلقهم من أجل تحقيق هذه الغاية السامية المحبوبة للّه تبارك وتعالى، وهذا يدل على عظم ومكانة توحيد العبادة (١).

يقول الإمام ابن القيم: "فيجمع غايات فعله، وحكمة خلقه وأمره إلى غاية واحدة، هي منتهى الغايات، وهي إلهية الحق التي كل إلهية سواها فهي باطل ومحال، فهي غاية الغايات، ثم ينزل منها إلى غايات أخر هي وسائل بالنسبة إليها، وغايات بالنسبة إلى ما دونها، وإن إلى ربك المنتهى" (٢).

ثانيًا: يوضح ما سبق إكثار اللَّه تعالى في القرآن الكريم من ذكر هذا النوع من التوحيد، أمرًا وإيجابًا، وتحذيرًا وتخويفًا، بحيث جعل تحقيقه في مقدمة المقاصد الشرعية، وبيانه له بشتى أساليب البيان، وكونه هو الغاية العظمى، وأنه سبب النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن الناس انقسموا بسببه إلى موحدين في الجنان؛ ومشركين في النجران، وبيانه لحقوق هذا التوحيد وواجباته، والتحذير مما يناقضه أو ينقص كماله الواجب، وهذا الإكثار يدل على المكانة العظيمة، والمنزلة الجليلة التي تبوأها هذا التوحيد.

وذلك كما في قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] وغيرها من الآيات الكثيرة، بل لو قال قائل: إن القرآن من أوله إلى آخره يدعو إلى هذه القضية، ويؤكدها، ويثبتها بالأساليب المختلفة والمتعدده، لما كان مبالغًا في ادعائه، فهذا هو المقصد الأساسي في الشريعة، والمقصد الأصلي من الخلقة، وما عداه فهو تابع له، وقد بيَّنه القرآن أعظم بيان، وحذر مما يضاده ويعود عليه بالإبطال (٣).


(١) لمزيد من البسط. انظر: قاعدة: (العبادة هي الغاية التي خلق اللَّه لها الخلق ... ) (ص ١٥٠).
(٢) شفاء العليل، لابن القيم (ص ٢٣٢).
(٣) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة، للدكتور محمد اليوبي (ص ٤٧٧).