للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الرازي في معنى حديث الفطرة: "دلَّ الحديث على أن المولود لو ترك مع فطرته الأصلية لما كان على شيء من الأديان الباطلة، وأنه إنما يقدم على الدين الباطل لأسباب خارجية، وهي سعي الأبوين في ذلك، وحصول الأغراض الفاسدة من البغي والحسد" (١).

ويقول الإمام ابن تيمية: "فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالإلهية، محبة له، تعبده لا تشرك به شيئًا، ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل" (٢).

الثاني: كمال الفِطْرَة: وهو كل ما يتعلق بتفاصيل الإيمان وفروع التوحيد التي لم تأت في أصل الفطرة، وما يتبع ذلك من إدراك الحُسْنِ والقُبْحِ فيما يتعلق بأحكام لم تأت في أصل الفطرة، وما يتبع ذلك من إدراك الحُسْنِ والقُبْحِ فيما يتعلق بأحكام الإسلام وجزئياته جميعها، إذ يوجد في النفس القبول لهذه الأحكام الشرعية، واستحسانها، والميل إليها.

والفرق بين الضربين: أن أصل الفِطْرَة من المعرفة والإخلاص الذي هو جزء حقيقتها تدركه النفس بواسطة العقل المؤهل بدون حاجة إلى رسول أو معلم، ومجيء الرسل - عليهم السلام - إنما كان لتقويمه وإصلاحه إذا بدا منه الانحراف، ودبَّ إليه الفساد.

وذلك بخلاف كمالها؛ إذ النفس مفطورة على تقبّل ذلك الكمال واستحسانه، وعدم الممانعة والرد له، لكنها لا تدركه -بمجرد العقل وإن تأهّل- إلا ببعثة الرسل المبلغين عن رب العالمين.

يقول الإمام ابن كثير: "وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة، والفطرة تصدقها وتؤمن بها، ولهذا قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود: ١٧]، وهو القرآن بلغه جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبلغه


(١) التفسير الكبير (٦/ ١٢).
(٢) مجموع الفتاوى (١٤/ ٢٩٦).