للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الثعالبي (١): "والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة مهيئة؛ لأن يميز بها مصنوعات الله، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فُطِرَ البشر، لكن تعرضهم العوارض" (٢).

وهذه الفِطرَة الخاصة بالإنسان المكلف يعبَّر عنها بدليل الفِطْرَة، وهي تتضمن أمورًا إضافية لا توجد في فِطَرِ الحيوانات البهيمية، وهي على ضربين:

الأول: أصل الفِطْرَة: وهو معرفة النفس وإقرارها بالله تعالى، وشعورها وإدراكها له، وتقبّلها لدين الإسلام، واستحسانه، والميل إليه، ابتداء بتوحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له، مع الخضوع والمحبة والذل له، هذه أمور موجودة في فطرة كل مخلوق، وإن لم يشعر بها في بداية نشأته؛ لعدم أهليته لإدراكها؛ إذ إن إدراك هذه الأمور متوقف على نضوج العقل ونموه، وعليه فيزداد شعور المولود بهذه الفِطْرَة، ويحسها من نفسه بحسب نمو عقله ونضوجه.

فلو ترك المولود وفطرته، بعيدًا عن المؤثرات الاجتماعية والبيئة، لما اختارت نفسه غير التوحيد وإخلاص الدين لله، ولكانت أشد حذرًا وبعدًا من الشرك، وأعظم نفرة وبغضًا له.


(١) هو: عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري، المغربي المالكي، ولد سنة ٧٨٦ هـ، وحج وأخذ عن الولي العراقي، وكان إمامًا علامة مصنفًا اختصر تفسير ابن عطية في: الجواهر الحسان في تفسير القرآن، وشرح ابن الحاجب، وروضة الأنوار ونزهة الأخيار، والذهب الإبريز في غريب القرآن العزيز، وعمل في الوعظ والرقائق وغير ذلك، مات في سنة ٨٧٥ هـ. [ترجمته في: الضوء اللامع (٤/ ١٥٢)، والأعلام للزركلي (٣/ ٣٣١)].
(٢) تفسير الثعالبي (٣/ ٢٠٢ - ٢٠٣)، وانظر: تفسير أبي السعود (٧/ ٦٠).