للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائل: فإن قوله يدخلونها إنما عنى به المقتصد والسابق، قيل له وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل، فإن قال: قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد. قيل: إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار، وإنما فيها إخبار من الله تعالى ذكره أنهم يدخلون جنات عدن، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا، وظلمه نفسه فيها بالنار، أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة، فيكون ممن عمه خبر الله جل ثناؤه بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: ٣٣] " (١).

٢ - ومما يدل على تفاوت الناس وتفاضلهم بحسب تحقيقهم للتوحيد والإيمان، وبحسب ما يقوم بقلوبهم من العلم واليقين: ما رواه البخاري عن سهل قال: (مرَّ رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما تقولون في هذا، قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال ثم سكت فمرَّ رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا، قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) (٢).

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن ألوهية الله متفاوتة في قلوبهم على درجات عظيمة، تزيد وتنقص، ويتفاوتون فيها تفاوتًا لا ينضبط طرفاه، حتى قدثبت في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق شخصين: (هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا)، فصار واحد من الآدميين خيرًا من ملء


(١) تفسير الطبري (٢٢/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب: الأكفاء في الدين (٥/ ١٩٥٨)، رقم (٤٨٠٣).