للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبه يبطشون، وبه يمشون، وبه ينطقون، وبه يعقلون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وأما الظالم لنفسه ففي المراد به عن السلف الصالح قولان: أحدهما أن المراد به الكافر ... والقول الثاني أن المراد به عصاة الموحدين؛ فإنهم ظالمون لأنفسهم ولكن ظلم دون ظلم لا يخرج من الدين، ولا يخلد في النار ... فإذا كان هذا التفاوت بين أتباع الرسل فكيف تفاوت ما بينهم وبين رسلهم" (١).

والصحيح من القولين هو أن الظالم لنفسه من المؤمنين، لكنه مستحق للوعيد ومتوعد بالعذاب، ولا يعني هذا خروجه عن الإيمان أو نقضه للتوحيد، فإن المعاصي تعارض كمال التوحيد وتمامه الواجب، وهذا ما رجحه جمع من المحققين.

يقول الإمام ابن تيمية: "وقد تقدم أن ظلم الإنسان لنفسه يدخل فيه كل ذنب كبير أو صغير مع الإطلاق، وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: ٣٢] فهذا ظلم لنفسه مقرون بغيره فلا يدخل فيه الشرك الأكبر" (٢).

ويقول الحافظ ابن كثير: "والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة" (٣).

وهذا ما رجحه الإمام الطبري حيث يقول: "فبين أن المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته، وأما الظالم لنفسه فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله جنات عدن يدخلونها، فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة.


(١) معارج القبول، للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (٣/ ١٠٠٨ - ١٠٠٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٧٧/ ٧٩).
(٣) تفسير ابن كثير (٢/ ٧٧).