للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدم عبادة ما سواه اتصافه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بصفات الربوبية، وتفرده بكشف الضراء وجلب السراء، المالك لكل شيء، فما من شيء سواه إلا في قبضه وتحت أمره.

يقول الإمام ابن القيم: "فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الإلهية، ولذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره؛ لصحة دلالته، وظهورها، وقبول العقول والفطر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية، وكذلك كان عباد الأصنام يقرون به وينكرون توحيد الإلهية، ويقولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}، مع اعترافهم بأن اللَّه وحده هو الخالق لهم، وللسموات والأرض وما بينهما، وأنه المنفرد بملك ذلك كله، فأرسل اللَّه تعالى يذكر بما في فطرتهم الإقرار به؛ من توحيده وحده لا شريك له، وأنهم لو رجعوا إلى فطرهم وعقولهم لدلتهم على امتناع إله آخر معه، واستحالته وبطلانه" (١).

ويقول الشيخ السعدي: "ومن أدلة توحيده: أنه تعالى المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء، ولهذا قال: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} [الأنعام: ١٧]؛ من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم، أو نحوه، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)}، فإذا كان وحده النافع الضار فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية" (٢).

ولذا يقول الإمام الطبري (٣) في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ


(١) طريق الهجرتين (ص ٨٠).
(٢) تفسير السعدي (ص ٢٥٢).
(٣) هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآملي الطبري، أبو جعفر الإمام المفسر الحافظ أحد الأعلام، ولد عام ٢٢٤ هـ، وهو إمام من أئمة أهل السُّنَّة والجماعة، صاحب المؤلفات الشهيرة في التاريخ والتفسير، له عناية بعلم القراءات، وأقوال الصحابة والتابعين، من مصنفاته: جامع البيان، وتهذيب الآثار، وتاريخ الأمم والملوك، توفي - رَحِمَه اللّه - سنة ٣١٠ هـ. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (٢/ ٧١٠)، =