للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن كثير في بيان معنى السابقين بالخيرات بتحقيقهم لكمال التوحيد: "فالعلماء أغبط الناس بهذه النعمة وأولى الناس بهذه الرحمة" (١).

الفائدة الثانية: أن المحققين لكمال التوحيد لا تبقى معهم ذنوب، بحيث يحفظهم الله تعالى، ويصرف عنهم المعاصي والذنوب، وإن وقعوا فيها فإن الله يوفقهم إلى المسارعة إلى التوبة والإنابة إليه - سبحانه وتعالى -، وما ذلك إلا لأنهم بلغوا من محبة الله تعالى الشيء العظيم بحيث لا يبقى في قلوبهم محبوب سوى الله تعالى وسوى ما يحبه الله.

يقول شيخ الإسلام: "وكلما حقق العبد الإخلاص في قول لا إله إلا الله خرج من قلبه تأله ما يهواه وتصرف عنه المعاصي والذنوب، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)} [يوسف: ٢٤]، فعلل صرف السوء والفحشاء عنه بأنه من عباد الله المخلصين، وهؤلاء هم الذين قال فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢]، وقال الشيطان: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص: ٨٢، ٨٣]، وقد ثبت في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه حرمه الله على النار" (٢)، فإن الإخلاص ينفي أسباب دخول النار، فمن دخل النار


(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٥٥٧).
(٢) لم أقف على لفظ الحديث كما ذكره الشيخ، وأصله في الصحيحين بألفاظ مقاربة، وجميع ألفاظ الحديث على كثرتها يؤيد بعضها بعضًا. [صحيح البخاري: (١/ ٥٩) برقم (١٢٨)، وصحيح مسلم (١/ ٦١) برقم (٣٢) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-].
يقول أبو جعفر الكتاني: "قلت: الأحاديث في هذا الباب كثيرة، وألفاظها مختلفة، ففي بعضها كما ذكر، وفي بعضها: (دخل الجنة)، وفي بعضها: (حرم الله عليه النار)، وما أشبه هذا؛ منها حديث الصحيحين عن عتبان بن مالك: "أن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"، وحديثهما أيضًا عن أنس: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله =