للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من القائلين لا إله إلا الله لم يحقق إخلاصها المحرم له على النار، بل كان في قلبه نوع من الشرك الذي أوقعه فيما أدخله النار" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "ولكن ينبغي أن يعلم ارتباط إيمان القلوب بأعمال الجوارح، وتعلقها بها، وإلَّا لم يفهم مراد الرسول، ويقع الخلط والتخبيط، فاعلم أن هذا النفي العام للشرك: أن لا يشرك بالله شيئًا ألبتة لا يصدر من مصرٍ على معصية أبدًا، ولا يمكن مدمن الكبيرة والمُصِر على الصغيرة أن يصفو له التوحيد حتى لا يشرك بالله شيئًا؛ هذا من أعظم المحال، ولا يلتفت إلى جدلي لا حظ له من أعمال القلوب، بل قلبه كالحجر أو أقسى؛ يقول: وما المانع؟ وما وجه الإحالة؟ ولو فرض ذلك واقعًا لم يلزم منه محال لذاته.

فدع هذا القلب المفتون بجدله وجهله، واعلم أن الإصرار على المعصية يوجب من خوف القلب من غير الله، ورجائه لغير الله، وحبه لغير الله، وذله لغير الله، وتوكله على غير الله، ما يصير به منغمسًا في بحار الشرك، والحاكم في هذا ما يعلمه الإنسان من نفسه، إن كان له عقل؛ فإن ذل المعصية لا بد أن يقوم بالقلب، فيورثه خوفًا من غير الله تعالى، وذلك شرك، ويورثه محبة لغير الله، واستعانة بغيره في الأسباب التي توصله إلى غرضه، فيكون عمله لا بالله ولا لله.

وهذا حقيقة الشرك؛ نعم قد يكون معه توحيد أبي جهل، وعباد


= على النار"، وحديثهما أيضًا عن عبادة بن الصامت واللفظ لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله حرم الله عليه النار"، وحديثهما أيضًا عن ابن مسعود: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"، وحديث البخاري عن أبي هريرة: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه"، وحديث البزار بإسناد صحيح عن عمر مرفوعًا: "من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة"، وحديثه أيضًا بسند رجاله ثقات عن أبي سعيد: "من قال لا إله إلا الله مخلصًا دخل الجنة" إلى غير ذلك". [نظم المتناثر (ص ٣٩)].
(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٦٠).