للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)} [الزمر: ٦].

وغير ذلك من الآيات التي يذكر الله تعالى فيها إقرار المشركين بتوحيد الربوبية، ثم يوبخهم محتجًا عليهم به على عدم تحقيقهم لتوحيد الألوهية.

يقول الإمام الطبري في بيان احتجاج الله تبارك وتعالى على المشركين بهذا التوحيد: "وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)} يقول تعالى ذكره: لا ينبغي أن يكون معبود سواه، ولا تصلح العبادة إلا له، {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)} يقول تعالى ذكره: فأنى تصرفون أيها الناس فتذهبون عن عبادة ربكم الذي هذه الصفة صفته إلى عبادة من لا ضر عنده لكم ولا نفع" (١).

ويقول الإمام أبو عبد الله القرطبي في قوله: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)}: "أي: كيف تصرفون عقولكم إلى عبادة ما لا يرزق ولا يحيي ولا يميت" (٢).

ويقول الإمام ابن القيم: "وهذه طريقة القرآن الكريم يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، وإذا كان وحده هو ربنا ومالكنا وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره، فلا ينبغي أن يدعى، ولا يخاف، ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذل لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه؛ لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه وتتوكل عليه، إما أن يكون مربيك، والقيم بأمورك، ومولي شأنك، وهو ربك فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق، فهو ملك الناس حقًا، وكلهم عبيده ومماليكه" (٣).


(١) تفسير الطبري (٢٣/ ١٩٧).
(٢) تفسير القرطبي (٨/ ٣٤٠).
(٣) بدائع الفوائد (٢/ ٤٧٢).