للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الإمام ابن كثير: "فكما أنه -سبحانه- الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك" (١).

ويقول الإمام الشاطبي: "ووجه خامس: وهو أن القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية، والعمومات المتفق عليها؛ كقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥)} [المؤمنون: ٨٤، ٨٥]، فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص محسورين لا عقلاء، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)} [العنكبوت: ٦١]؛ يعني: كيف يُصرَفُونَ عن الإقرار بأن الرب هو الله بعد ما أقروا فيدعون شريكًا" (٢).

ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: "وأول أمر في القرآن، يقرع سمع السامع، والمستمع، قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة: ٢١] فأمرهم بتوحيد الإلهية واستدل عليه بالربوبية، ونهاهم عن الشرك به، وأمرهم بخلع الأنداد، التي يعبدها المشركون من دون الله" (٣).

ويصرح الإمام محمد الأمين الشنقيطي بهذه الطريقة القرآنية التي سبق وأن أشار إليها الإمام ابن القيم فيقول: "ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا على وجوب توحيده في عبادته؛ ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا


(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٤٢٢).
(٢) الموافقات (٤/ ٣٢٦).
(٣) الدرر السنية (١/ ٤٤٣).