للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق؛ لأن يعبد وحده، ووبَّخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده؛ لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده" (١).

ثانيًا: أن تحقيق توحيد الألوهية بدون تحقيق الربوبية لا يتصور؛ لأنك إن لم تثبت الله تعالى ربًا موجودًا، وخالقًا ورازقًا ومحييًا ومميتًا وقادرًا وفعَّالًا لما يريد، يعلم السر وأخفى، يراك في كل حال وحين، ويعلم كل ما يحدث في الكون على وجه التفصيل، فكيف تعبده، هذا هو النظر الصحيح؛ وذلك أنه لا يعبد ولا تصرف العبادة إلا لمن اتصف بالربوبية التامة، والملك الشامل، والتدبير لكل ذرات الكون، فصار بذلك مستحقًا للعبادة، وهذا يدل على أن توحيد الربوبية هو الأصل الذي يقوم فصار بذلك مستحقًا للعبادة، عليه توحيد العبادة، وهو الدرجة الأولى في سلم التعبد والتأله للملك الحق المبين، وبدونه لا يتصور حصول توحيد الألوهية.

ولقد بيَّن الله تبارك وتعالى هذا الأمر في كتابه الكريم في آيات كثيرة، وهو أن الذي يستحق أن تصرف له العبادة هو الخالق القوي لا غيره من الآلهة والأنداد التي هي مملوكة، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن أن تملكه لغيرها.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة: ٢١]، فدلت الآية على أن المعبود هو الخالق دون غيره.

وقال سبحانه: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)} [النحل: ١٧]، وقال عز من قائل: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ


(١) أضواء البيان (٣/ ١٩).