للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شبهة وريبة وقادح، وإن كل متكلم ومستدل ومحاج إذا بالغ في تقرير ما يقرره وأطاله وأعرض القول فيه، فغايته إن صح ما يذكره أن ينتهي إلى بعض ما في القرآن.

فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من البرهان الشافي في التوحيد؛ أي: إذا كان الله وحده هو الذي فعل هذه الأفعال، فكيف يجعلون له أندادًا وقد علمتم أنه لا ند له يشاركه في فعله" (١).

ويقول -رحمه الله- في قصة صاحب ياسين: "ومن هذا قوله تعالى حاكيًا عن صاحب ياسين أنه قال لقومه محتجًا عليهم بما تقر به فطرهم وعقولهم: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)} [يس: ٢٢]، فتأمل هذا الخطاب كيف تجد تحته أشرف معنى وأجله، وهو أن كونه سبحانه فاطرًا لعباده يقتضي عبادتهم له، وأن من كان مفطورًا مخلوقًا فحقيق به أن يعبد فاطره وخالقه، ولا سيما إذا كان مرده إليه، فمبدأه منه ومصيره إليه، وهذا يوجب عليه التفرغ لعبادته" (٢).

ويقول الإمام ابن كثير في قوله تعالى: {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠)} [نوح: ٢٠]: "أي: خلقها لكم لتستقروا عليها، وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها، وكل هذا مما ينبههم به نوح -عليه السلام- على قدرة الله وعظمته في خلق السماوات والأرض، ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية، فهو الخالق الرزاق، جعل السماء بناء والأرض مهادًا، وأوسع على خلقه من رزقه، فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد، ولا يشرك به أحد؛ لأنه لا نظير له، ولا عديل له، ولا ند، ولا كفء، ولا صاحبة، ولا ولد، ولا وزير، ولا مشير، بل هو العلي الكبير" (٣).


(١) بدائع الفوائد (٤/ ٩٤٥).
(٢) مفتاح دار السعادة (٢/ ٨)، وانظر: الصواعق المرسلة (٢/ ٤٩٥).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ٤٢٧).