خامسًا: نصت القاعدة على الفارق الرئيس بين العبادات والعادات؛ من بيع وشراء وعقود ومعاملات، فالعبادات مبناها على التوقيف والأمر من الله تعالى، فالأصل في العبادة الحرمة التي قد تصل بالعبادة إلى حد الفساد والبطلان والرد حتى يأتي الدليل القاطع بها، بخلاف العادات فالأصل فيها الجواز والصحة حتى يقوم المانع الشرعي المبطل لها.
يقول الإمام ابن تيمية:"تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشيعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله، أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله -سبحانه وتعالى-؛ وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة، وما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور، ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى: ٢١].
والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه وإلا دخلنا في معنى قوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا}[يونس: ٥٩]، ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه" (١).
ويقول الإمام ابن القيم: "فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، والفرق بينهما: أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما