للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو، ورضي به، وشرعه.

وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين، وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما لم يشرعه، وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفوًا، لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله؛ فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو، فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها فإنه لا يجوز القول بتحريمها؛ فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال، فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمه" (١).

ويقول ابن الحاج: "فليست العبادة بالعادة، ولا بالاستحسان، ولا بالاختيار، وإنما هي راجعة إلى امتثال أمر المولى -سبحانه وتعالى-، مع بيان رسوله المعصوم في الحركات والسكنات -صلوات الله عليه وسلامه-، فحيث مشى مشينا، وحيث وقف وقفنا، وكذلك يتعين الرجوع إلى ما استنبطه العلماء، وأفادوه من كتاب الله -عز وجل- وحديث رسوله -صلى الله عليه وسلم- مما للقياس فيه مدخل" (٢).

سادسًا: ومما يستفاد من القاعدة أنه لا يجوز التعبد لله تعالى إلا بما هو عبادة مشروعة من الله تعالى أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه فلا يجوز التعبد بما هو مباح أو جائز فيجعل عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن هذا من أعظم التلبيس والافتراء على الله تعالى وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو داخل في وعيد قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١].


(١) إعلام الموقعين (١/ ٣٤٤ - ٣٤٥).
(٢) المدخل لابن الحاج (٤/ ٢٦٣ - ٢٦٤).