للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمة اتباعه، وجعله خير أسوة، وأعظم قدوة، وأحسن مثال، وخير متبوع، بل جعل اتباعه والسير على منهاجه من أعظم الطاعات، وأفضل القرب، وأرجى الأعمال عند الملك الديَّان يوم يبعث الأبدان.

ولذا كان من أعظم خصائصه -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى فرض طاعته واتباعه على العالم فرضًا مطلقًا، وأوجب على الناس كافة التأسي به قولًا واعتقادًا، وفعلًا وتركًا، بلا قيد فيه، ولا شرط، ولا استثناء، كما قال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، وقوله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: ٢١]، وقوله: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)} [الأعراف: ١٥٨] (١).

ومع كل هذا الثناء والتمجيد، والتعظيم والإعزاز لم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حد الطبيعة البشرية، ولا عن حيز الجبلة الإنسانية التي فطره الله عليها، فهو كسائر البشر فيما يتعلق بهذه الأمور إلا ما ثبت بالنص اختصاصه بأشياء لا يشركه فيه غيره.

فهو -عليه السلام- كغيره في الخصائص البشرية؛ لكونه يأكل ويشرب، ويجوع ويعطش، وينام ويتعب، ويمشي ويسافر، ويركب الدابة، ويتزوج النساء، ويمرض ويموت، وغير ذلك مما هو من خصائص البشر التي لا ينفكون عنها بحال، ولا يستغنون منها.

وهنا يأتي التساؤل الهام على ضوء ما سبق من وجوب الاقتداء والتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقًا، وهل يشرع لنا التعبد بجميع أفعاله الصادرة


(١) انظر: فيض القدير (١/ ٥٤٨)، والخصائص الكبرى، للسيوطي (٢/ ٣٤٢)، نقلًا عن أبي نعيم.