للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه الدلالة: أنه لما كانت صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأمكنة حصلت بحكم الاتفاق، ولم يقصد -صلى الله عليه وسلم- ذات هذه الأمكنة بعبادة تخصها رأى عمر أن مشاركة النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة العمل دون الموافقة له في القصد والنية ليست من الاتباع والتأسي في شيء، بل جعل ذلك من المشابهة لليهود والنصارى الذين اتخذوا آثار أنبيائهم مساجد.

يقول الإمام ابن تيمية: "فلما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل؛ فإن المتابعة في السُّنَّة أبلغ من المتابعة في صورة العمل" (١)، ويوضحه:

ثالثًا: أن متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- والتأسي به المعتبران شرعًا (٢)، إنما يكونان بالاقتداء به وموافقته في صورة العمل الظاهرة مع المشاركة له في القصد والنية، أما مجرد الموافقة الظاهرية بدون المشاركة في النية فلا يعد من المتابعة ولا التأسي في شيء، وعليه فما كان من الأفعال عبادة في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقصد به التعبد صار عبادة في حق أمته، وما تركه تعبدًا صار تركه في حق أمته عبادة.


= مصنفه (٢/ ١١٨)، برقم (٢٧٣٤)، والهندي في كنز العمال (١٤/ ٧٧)، برقم (٣٨٢٧٨)، والبدع والنهي عنها، لابن وضاح (ص ٨٧)، وقال الألباني: وسنده صحيح على شرط الشيخين، تحذير الساجد (ص ٩٧)، وأشار إلى صحة إسناده ابن تيمية، مجموع الفتاوى (١/ ٢٨١)، وصحح إسناده شيخنا عبد المحسن العباد في رسالته: التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة (ص ١٢).
(١) مجموع الفتاوى (١/ ٢٨١).
(٢) اتباعه -صلى الله عليه وسلم- عمومًا هو: الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- في جميع ما جاء به؛ اعتقادًا وقولًا وفعلًا. [انظر: تفسير البحر المحيط، لأبي حيان (٤/ ٤٠٢)].