للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إن كانت الوسيلة لا يتوقف عليها وحدها حصول المقصود، وذلك عند تعدد الوسائل المؤدية إلى مقصود واحد، ففيه تفصيل؛ فإن كان المقصود منهيًا عنه أو مباحًا فتأخذ الوسيلة حكمه.

وأما إن كان المقصود مطلوبًا ومأمورًا به؛ سواء أمر إيجاب أو استحباب فإحدى الوسائل تكون مطلوبة دون تعيين؛ لتوقف المقصود المطلوب على مباشرة إحدى هذه الوسائل، ومرد ذلك إلى اختيار المكلف واجتهاده، فيكون الأمر كالواجب المخير تمامًا، وبهذا يظهر أن القاعدة المذكورة أغلبية (١).

ومما يوضح ذلك أن الحكم قد يختلف في بعض الصور النادرة فيحكم على الوسيلة بخلاف مقصدها، وذلك في حال تعارض المقاصد.

يقول القرافي في تنوع أحكام الوسائل: "وحكمها: حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره، إلا أنها أخفض رتبة في حكمها مما أفضت إليه، فليس كل ذريعة يجب سدها، بل الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره، وتندب، وتباح، بل قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة؛ كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به، بناء على الصحيح عندنا من خطابهم بفروع الشريعة، وكدفع مال لرجل يأكله حرامًا حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك ... " (٢).

ثانيًا: أن تطبيق قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد لا بد فيها من معرفة حقيقة الوسائل وحقيقة المقاصد، وإمكانية التفريق بينهما بحيث لا


(١) انظر: قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية دراسة أصولية في ضوء المقاصد الشرعية (ص ٥٢٠ - ٥٢١)، د. مصطفى بن كرامة الله مخدوم، دار إشبيليا للنشر والتوزيع.
(٢) الفروق (٢/ ٦٠).