للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يختلط أمرهما فلا يدرى مقصد الشيء من وسيلته، فتجعل الوسائل بمرتبة المقاصد أو العكس.

يقول القرافي: "الأحكام على قسمين: مقاصد، ووسائل؛ فالمقاصد كالحج، والسفر إليه وسيلة، وإعزاز الدين ونصر الكلمة مقصد، والجهاد وسيلة، ونحو ذلك من الواجبات والمحرمات والمندوبات والمكروهات والمباحات، فتحريم الزنا مقصد؛ لاشتماله على مفسدة اختلاط الأنساب، وتحريم الخلوة والنظر وسيلة، وصلاة العيدين مقصد مندوب والمشي إليها وسيلة، ورطانة الأعاجم مكروهة، ومخالطتهم وسيلة إليه، وأكل الطيبات مقصد مباح، والاكتساب له وسيلة مباحة، وحكم كل وسيلة حكم مقصدها في اقتضاء الفعل أو الترك، وإن كانت أخفض منه في ذلك الباب" (١).

والله تعالى لم يجعل المقاصد في مرتبة الوسائل، بل فرق بينهما في أمور عديدة، من ذلك محبته للمقاصد أكثر من وسائلها؛ إذ هي الأصل في المحبة، ومن أجلها شرع الوسائل.

يقول الإمام ابن القيم: "وإذا كان إنما قدر ما يكرهه لأنه يكون وسيلة إلى ما يحبه، علم أن محبوبه هو الغاية، ففوات محبوبه أبغض إليه وأكره له من حصول مبغوضه، بل إذا ترتب على حصول مبغوضه ما يحبه من وجه آخر كان المبغوض مرادًا له إرادة الوسائل، كما كان النهي عنه وكراهته لذلك، وأما المحبوب فمراده إرادة المقاصد كما تقدم، فهو سبحانه إنما خلق الخلق لأجل محبوبه ومأموره، وهو عبادته وحده كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]، وقدر مكروهه ومبغوضه تكميلًا لهذه الغاية التي خلق خلقه لأجلها، فإنه ترتب عليه من المأمورات ما لم يكن يحصل بدون تقديره؛ كالجهاد الذي


(١) الذخيرة (٢/ ١٢٩).