للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها الرجل عند الله إلا إذا أعانته على طاعة الله بحسب ما يعينه، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] " (١).

وما يدخل في مسألة التفريق بين الوسائل والمقاصد فيما يتعلق بالعلوم والفنون؛ لأن عدم التفريق يؤدي بطالب العلم إلى انقضاء الأعمار فيما منفعته قليلة أو معدومة.

يقول الإمام الشاطبي: "وأيضًا؛ فإن علوم الشريعة منها ما يجري مجرى الوسائل بالنسبة إلى السعادة الأخروية، ومنها ما يجري مجرى المقاصد، والذي يجري منها مجرى المقاصد أعلى مما ليس كذلك -بلا نزاع بين العقلاء أيضًا-؛ كعلم العربية بالنسبة إلى علم الفقه؛ فإنه كالوسيلة، فعلم الفقه أعلى، وإذا ثبت هذا؛ فأهل العلم أشرف الناس، وأعظم منزلة بلا إشكال ولا نزاع" (٢).

ويقول ابن خلدون في مقدمته: "وهذا كما فعل المتأخرون في صناعة النحو، وصناعة المنطق، وأصول الفقه؛ لأنَّهم أوسعوا دائرة الكلام فيها، وأكثروا من التفاريع والاستدلالات بما أخرجها عن كونها آلهة، وصيرها من المقاصد، وربما يقع فيها لذلك أنظار ومسائل لا حاجة بها في العلوم المقصودة، فهي من نوع اللغو، وهي أيضًا مضرة بالمتعلمين على الإطلاق؛ لأن المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتمامهم بوسائلها، فإذا قطعوا العمر في تحصيل الوسائل فمتى يظفرون بالمقاصد؟، فلهذا يجب على المعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها، ولا يستكثروا من مسائلها، وينبهوا المتعلم على الغرض منها، ويقفوا به عنده، فمن نزعت به همته بعد ذلك إلى شيء من التوغل، ورأى من نفسه قيامًا بذلك، وكفاية به فليرق له ما شاء من


(١) منهاج السُّنَّة النبوية (٨/ ٢١٤).
(٢) الاعتصام (٢/ ٨٥٦).