للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استحقاق العبادة، وعليه فيكون الشرك عمومًا في أنواعه الثلاثة لا يخلو من تسوية بين الخالق والمخلوق في شيء يختص بالخالق، كما سبق تقريره، بل حتى الشرك الأصغر لا يخلو من هذه التسوية كما سيأتي بيانه في قاعدة مستقلة (١).

وهذه التسوية والعدل هما أعظم الظلم وأقبحه؛ بل لا يوجد عدل ولا تسوية في الكون أشنع ولا أظلم منها؛ إذ هي تسوية بين أشد الأمور مفارقة واختلافًا وتنافرًا، تسوية بين التراب ورب الأرباب، تسوية بين العاجز الضعيف الفقير بالذات والغني القوي القادر بالذات، تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه، ومن لا نعمة منه أصلًا ولا ملكًا وإيجادًا (٢).

يقول الإمام ابن القيم في شأن تسوية المشركين بين الله تعالى وبين معبوداتهم: "ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والملك، والقدرة، وإنما سووهم به في الحب، والتأله، والخضوع لهم، والتذلل، وهذا غاية الجهل والظلم، فكيف يسوى من خُلِقَ من التراب برب الأرباب، وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب، وكيف يسوى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم بالغني بالذات، القادر بالذات، لذي غناه، وقدرته، وملكه، وجوده، وإحسانه، وعلمه، ورحمته، وكماله المطلق التام من لوازم ذاته، فأي ظلم أقبح من هذا، وأي حكم أشد جورًا منه، حيث عدل من لا عدل له بخلقه ... فيا لك من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه" (٣).

واعلم أن القسط والعدل والتسوية بين الشيئين تُحْمَد بل وتجب إن


(١) انظر: القاعدة التالية في حقيقة الشرك الأصغر (ص ٩٣٩).
(٢) انظر: تفسير البيضاوي (٤/ ٣٤٧)، وتفسير النسفي (٣/ ٢٨٢).
(٣) الجواب الكافي لابن القيم (ص ٩٢).