للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت بين أمرين متماثلين، وتذم وتشان، ويعظم جرمها وتزداد شناعتها، ونفرة النفوس منها، إن كانت بين الشيء وضده، والشيء ونقيضه، والشيء وخلافه، وكانت حينئذٍ من أعظم الظلم وأحلك الظلام، وأقبح الإفك ومنكر البهتان، إذ هي تسوية بين ما علم بالاضطرار في دلالات الفطر (١) والعقول فسادها وتعارضها وتناقضها واضطرابها؛ ولأنَّها تسوية بين ما فرَّق الشارع بينهما بمقتضى عدله وحكمته، فلا يستويان أبدًا؛ لا عند الله ولا عند رسوله ولا عند أولي النهى من الناس (٢).

يقول الإمام ابن تيمية: "والقسط والعدل: هو التسوية بين الشيئين؛ فإن كان بين متماثلين كان هو العدل الواجب المحمود، وإن كان بين الشيء وخلافه كان من باب قوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} [الأنعام: ١] كما قالوا لقد: { ... كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)}، فهذا العدل والتسوية والتمثيل والإشراك هو الظلم العظيم" (٣).

ويقول الشيخ السعدي -مبينًا فساد تسوية الخالق بالمخلوق، ومنع ذلك بالعقل والنقل والفطرة-: "وزعموا -أي: المشركون- بعقولهم الفاسدة، ورأيهم السقيم أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء وشفعاء، ووزراء، يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم، ويمهدون لهم الأمر في ذلك أن الله تعالى كذلك، وهذا القياس من أفسد الأقيسة، وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق، مع ثبوت الفرق


(١) يقول الإمام ابن القيم: "وقد ركز الله في فطر الناس وعقولهم التسوية بين المتماثلين، وإنكار التفريق بينهما، والفرق بين المختلفين، وإنكار الجمع بينهما". [إعلام الموقعين (١/ ١٣١)].
(٢) انظر: حاشية ابن القيم على السُّنن (٩/ ١٨٧)، وشفاء العليل (ص ٢٧)، وتيسير العزيز الحميد (ص ٨٦).
(٣) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٨٢).