للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا في أعظم الضلال وأبينه إذ جعلوا لله شبهًا وعدلًا من خلقه سووهم به في العبادة والتعظيم" (١).

والحاصل أنهم بقسمهم هذا قد حكموا على أنفسهم بالضلال المبين؛ بسبب تسوية أصنامهم بالله تعالى في العبادة، والمحبة، والخوف، والرجاء، ودعائهم لأندادهم كما يدعونه سبحانه وتعالى، فتبين لهم حينئذٍ ضلالهم، وأقروا بعدل الله في عقوبتهم، وأنها في محلها، وهم لم يسووهم برب العالمين إلا في استحقاق العبادة لا في الخلق، بدليل قولهم: {بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)}: فهم مقرون أن الله رَبُ العالمين كلهم الذين من جملتهم أصنامهم وأوثانهم (٢).

وبذلك يظهر المقصود من اشتمال الشرك وَتَضمُّنِهِ لمعنى التسوية والعدل.

وقوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} [الأنعام: ١] وهذا العدل هو التسوية بين الله وبين الآلهة في المحبة والميل والخضوع والعبادة والتعظيم، مما يدل على أن شركهم راجع إلى تسوية الخالق بالمخلوق.

ثانيًا: الأمثال التي ضربها الله تعالى، والدالة على إبطال شرك المشركين بنفي التسوية بين الله تعالى وبين معبوداتهم في الذات والصفات والأفعال والخصائص والحقوق، وهذا يوضح أن شركهم أصله من هذه التسوية الواقعة منهم؛ ومن تلك النصوص ما يلي:

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ


(١) إغاثة اللهفان (٢/ ٢٣٠).
(٢) تفسير السعدي (ص ٥٩٣) مع بعض التصرف، وانظر: تفسير الطبري (١٩/ ٨٨)، وتفسير البغوي (٣/ ٣٩١)، وتفسير السمعاني (٤/ ٥٦)، وتفسير البيضاوي (٤/ ٢٤٥)، وتفسير الثعلبي (٧/ ١٧١).