للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)} [الرعد: ١٦].

دلت الآية على إبطال اتخاذ المشركين أولياء من دونه بعد إقرارهم بأن الله رب السموات والأرض، ولتوضيح هذا المعنى وتجليته ضرب الله مثلًا لذلك؛ فنفى التسوية بين الأعمى والبصير، والظلمات والنور، ولا شك أن التفريق بين هذه الأمور من المسلمات المقطوع بها عقلًا لا يشك فيها ذو عينين، والتسوية بينها من منكرات العقول التي تنكرها القلوب بفطرتها، وهي من المقدمات البديهية المستقرة فيها، والمقصود من ذلك إنكار التسوية الواقعة منهم بين الله تعالى وبين معبوداتهم وأوثانهم، فَفَرَّق بين المعبود الغافل -وهي الأوثان- والمعبود العالم بكل شيء -وهو الرب تعالى-، وهذا يدل على أن حقيقة ما وقعوا فيه من الشرك هو تسوية معبوداتهم بالله تبارك وتعالى (١).

ثم أكد سبحانه وتعالى هذا التباين والاختلاف بينه وبين الأصنام في أفراد الربوبية من الخلق والإيجاد، فنفى استحقاقهم للألوهية، ومساواتهم لله تعالى في العبادة بنفي اتصافهم ومساواتهم لله في شيء من أفراد الربوبية، والتي هي مُوْجِب العبادة ولازم استحقاقها.

يقول الإمام ابن تيمية: "وأعظم من ذلك أنه بين الفرق بين الخالق والمخلوق، وأن المخلوق لا يجوز أن يُسَوِّي بين الخالق والمخلوق في شيء، فيجعل المخلوق ندًّا للخالق، وضرب الأمثال في القرآن على من لم يفرق، بل عدل بربه، وسوى بينه وبين خلقه" (٢).

ويقول الإمام ابن كثير في معنى الآية: "أي: أجعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق، فخلقوا كخلقه


(١) انظر: درء التعارض (١٠/ ١٥٤).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٣/ ١٤).