للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره، أي: ليس الأمر كذلك؛ فإنه لا يشابهه شيء، ولا يماثله، ولا ند له، ولا عدل له، ولا وزير له، ولا ولد، ولا صاحبة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم معترفون أنها مخلوقة له، عبيد له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: (لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ) (١) " (٢).

والمعنى: أنهم لم يجعلوا لله تعالى شركاء في الخلق فتشابه الخلق عليهم بسبب ذلك، ولا قالوا: هؤلاء خلقوا كخلقه فاستحقوا بذلك العبادة كما استحقها سبحانه ليكون ذلك منشأ لخطئهم، بل إنما جعلوا له شركاء ما هو بمعزل من ذلك بالمرة، فلا مساواة بينهما لا في الخلق ولا في استحقاق العبادة (٣).

يقول الشيخ السعدي مبينًا أن اتخاذ الأنداد من دون الله تسوية بين الله وبينها: "وهؤلاء -أي: المعبودات- لا يملكون ولا يقدرون، فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسموات، الذي له الملك كله، والحمد كله، والقوة كلها، ولهذا قال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: ٧٤]: المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه" (٤).

ويقول الشيخ الشنقيطي في تقرير هذا المعنى: "ألقم الله تعالى المشركين في هذه الآيات حجرًا بأن الشركاء التي يعبدونها من دونه لا


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب: التلبية وصفتها ووقتها (٢/ ٨٤٣)، برقم (١١٨٥).
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٥٠٨).
(٣) انظر: تفسير البغوي (٣/ ١٣)، وتفسير أبي السعود (٥/ ١٣)، وتفسير البيضاوي (٣/ ٣٢٥).
(٤) تفسير السعدي (ص ٤٤٥).