للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدرة لها على فعل شيء، وأنه هو وحده جل وعلا الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده بالإحياء مرة أخرى، وأنه يهدي من يشاء .... -ثم ذكر جملة من الآيات المؤيدة لذلك ثم قال:- والآيات في مثل ذلك كثيرة، ومعلوم أن تسوية ما لا يضر ولا ينفع ولا يقدر على شيء مع من بيده الخير كله المتصرف بكل ما شاء لا تصدر إلا ممن لا عقل له" (١).

فأقام سبحانه وتعالى الحجة على المشركين بما يبطل شركهم بالله، وتسويتهم غيره به في العبادة بضرب الأمثال وغير ذلك، وهذا في القرآن كثير (٢).

وهذا يدل على أن شركهم كان بسبب تسويتهم معبوداتهم التي لا تضر ولا تنفع مع الرب تبارك وتعالى الذي بيده الخير كله.

ومن ذلك قوله عزَّ وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)} [النحل: ٧٥، ٧٦].

في هذه الآيات ضرب الله مثلين نفى بهما التسوية بين أمور مستقر التفريق بينها في الفطر والعقول، والقصد منها نفي وإبطال التسوية التي وقع فيها المشركون بين الله تعالى وبين أصنامهم وأوثانهم، فالنفي لحقيقة ذلك ووقوعه لا لنفي الواقع الذي تلبسوا به.

وضرب هذين المثلين يدل على أن أصل شرك المشركين التسوية بين الخالق والمخلوق في الخصائص والحقوق.


(١) أضواء البيان (٢/ ١٥٥)، فظهر بذلك انتفاء التسوية واستحالتها بين الخالق والمخلوق؛ وذلك لأن المخلوق محتاج إلى خالقه، فهو عبد مربوب مثلك، يجب عليه أن يعبد من خلقه وحده، كما يجب عليك ذلك، فأنتما سواء بالنسبة إلى وجوب عبادة الخالق وحده لا شريك له. [انظر: المصدر نفسه (٢/ ٢٣٩)، و (٢/ ٣٣٠)].
(٢) انظر: قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن حسن (ص ٥٢).