للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مجاهد: "ضرب الله هذا المثل والمثل الآخر بعده لنفسه والآلهة التي تعبد من دونه" (١).

يقول الإمام ابن تيمية في معنى المثلين: "كلاهما مثل بين الله فيه أنه لا يستوي هو وما يشركون به، كما ذكر نظير ذلك في غير موضع، وإن كان هذا الفرق معلومًا بالضرورة لكل أحد، لكن المشركون مع اعترافهم بأن آلهتهم مخلوقة مملوكة له يسوون بينه وبينها في المحبة والدعاء والعبادة ونحو ذلك" (٢).

ويقول الإمام ابن القيم في معنى المثل الثاني المتعلق بالأبكم: "فهذا مثل ضربه الله للأصنام التي لا تسمع، ولا تنطق، ولا تعقل، وهي كَلٌّ (٣) على عابدها، يحتاج الصنم إلى أن يحمله عابده، ويضعه، ويقيمه، ويخدمه، فكيف يسوونه في العبادة بالله الذي يأمر بالعدل والتوحيد، وهو قادر متكلم غني، وهو على صراط مستقيم في قوله وفعله، فقوله صدق ورشد ونصح وهدى، وفعله حكمة وعدل ورحمة ومصلحة، هذا أصح الأقوال في الآية، وهو الذي لم يذكر كثير من المفسرين غيره" (٤).

ويقول الشيخ السعدي: "فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يُعْبَدُ من دونه؛ أحدهما: عبد مملوك؛ أي: رقيق لا يملك نفسه، ولا يملك من المال والدنيا شيئًا، والثاني: حُرٌّ غنيٌ قد رزقه الله منه رزقًا حسنًا من جميع أصناف المال، وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سرًا


(١) انظر: تفسير الطبري (١٤/ ١٤٩).
(٢) مجموع الفتاوى (١٤/ ١٧٨ - ١٧٩).
(٣) (كلٌّ): ينطبق على الواحد والجميع، والذكر والأنثى. [انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (١/ ٣٤١).
(٤) مدارج السالكين (١/ ١٨)، وانظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٨٠)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٧٩)].