للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأجسام، والمنافع، والأعضاء، والأموال، والإعراض عن الأسباب المفسدة واجب، وعلى هذه القواعد فقس يظهر لك ما يَحْرُم من الخوف من غير الله تعالى، وما لا يحرم، وحيث تكون الخشية من الخلق محرمة، وحيث لا تكون فاعلم ذلك" (١).

وعليه فالخوف يختلف بحسب نوعه؛ فمنه ما هو عبادة، ومنه ما هو عادة، وقد فصل الشيخ السعدي هذه الأحوال بقوله: "اعلم أن الخوف والخشية تارة يقع عبادة، وتارة يقع طبيعة وعادة، وذلك بحسب أسبابه ومتعلقاته؛ فإن كان الخوف والخشية خوف تأله وتعبد، وتقرب بذلك الخوف إلى من يخافه، وكان يدعو إلى طاعة باطنة، وخوف سري يزجر عن معصية من يخافه، كان تعلقه بالله من أعظم واجبات القلب غير الله مع الله، وربما زاد خوفه من غير الله على خوفه من الله.

وأيضًا فمن خشي الله وحده على هذا الوجه فهو مخلص موحد، ومن خشي غيره فقد جعل لله ندًّا في الخشية، كمن جعل لله ندًّا في المحبة، وذلك كمن يخشى من صاحب القبر أن يوقع به مكروهًا، أو يغضب عليه فيسلبه نعمة أو نحو ذلك، مما هو واقع من عباد القبور.

وإن كان الخوف طبيعيًا كمن يخشى من عدو أو سبع أو حية أو نحو ذلك مما يخشى ضرره الظاهري، فهذا النوع ليس عبادة، وقد يوجد من كثير من المؤمنين ولا ينافي الإيمان.

وهذا إذا كان خوفًا محققًا قد انعقدت أسبابه فليس بمذموم، وإن كان هذا خوفًا وهميًا كالخوف الذي ليس له سبب أصلًا، أو له سبب


= (وفِرَّ مِنَ المَجْذُوم كَما تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) من حديث أبي هريرة، وأخرجه بنفس اللفظ: الإمام أحمد في المسند (٢/ ٤٤٣)، برقم (٩٧٢٠)، والبيهقي في السُّنن (٧/ ١٣٥)، برقم (١٣٥٥٠)، ومصنف ابن أبي شيبة (٥/ ١٤٢)، برقم (٢٤٥٤٣)، وتهذيب الآثار للطبري (٣/ ١٧)، بكر قم (٣٨).
(١) الفروق (٤/ ٤٠٠ - ٤٠٢).